الأحد، 1 يونيو 2014

حمّى التشرميل وأعراض الكبت المدفون

 جديد الأخبار المغربية :
التشرميل" ظاهرة جديدة باتت تجتاح المدن المغربية، ويقوم بموجبها شباب ومراهقون بالتسلح بالسيوف والسكاكين ، للقيام بعمليات سرقة والتباهي بعد ذلك بعرض غنائمهم من المسروقات على موقع "فيسبوك"، وقد ذكرت بعض المصادر الإعلامية المغربية أن السلطات الأمنية، وجهت رسالة رسمية عن طريق "أنتروبول" إلى إدارة موقع "فيسبوك"، لرصد تحركات هذه المجموعات التي تدير صفحات خاصة بها ، تحت اسم "التشرميل" أو "التشرميل بالكراميل"، وهي تسميات تدل في اللغة العامية على الطبخ ، وتأخد نفس الكلمة مدلولا آخر مخالف للأول في أقبية السجون .

 والتشرميل ظاهرة جديدة أبطالها بعض التلاميذ ، الذين يعانون من أوضاع اجتماعية غير سوية كأن يكون الأبوان منفصلين ، أو موظفين لا يستطيعان مراقبة أبنائهم بالشكل الكافي، فيجذبهم بسهولة بعض المنحرفين أو «المشرملين»، بلباسهم الغالي وشكل دراجاتهم السريعة ، فتنشأ صداقات بينهم و بالتالي ينجرفون نحوالهاوية ، كما أن هناك من يتبع هذا النمط دون أن يسرق، فهو عاشق لشكل اللباس الرياضي فقط و الماركات .
أما بالنسبة لأصل المصطلح ومنبعه ، فهو لا يغدو مجرد ابتكار لغة و قاموس خاصين بابناء جيل معين، خصوصا المراهقين منهم رغبة في اثبات الشخصية ،عن طريق التمرد حتى على اللغة التي ورثوها عن آبائهم و مجتمعهم، بابتكار مصطلحات جديدة تكون بمثابة رموز للتخاطب بينهم ويحفظون بها اسرارهم، بحيث الخارج عن نمطهم يصعب عليه التواصل معهم، هذا الامر يعد بنظرهم تكملة للتميز والابتعاد عن السلوكات العامّة التي يتبنّاها المجتمع ،ولهذا ننصح الآباء بأن يهتموا بمراقبة أبنائهم وكذا قيام وسائل الإعلام بحملات توعية بهذه الظاهرة ، كما أن الشرطة الإلكترونية تسعى الى ملاحقة هؤلاء الشباب من أجل مراقبة سلوكاتهم و تحركاتهم الخطيرة.
  فمعظم خبراء التحليل النفسي وعلم النفس الاجتماعي ، وعلم النفس المعرفي وعلم النفس السلوكي ،يرون أن الاتجاهات هي المحدّدات الأساسية الضابطة والموجّهة والمنظّمة ،لسلوك الفرد اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا، والتغير الإجتماعي ماهو إلا ذلك الأثر المباشر وغير المباشر للإتجاهات السائدة في المجتمع، وكلما إرتفع منسوب قابليات المجتمع في قبول تعديل وتحوير وتغيير الاتجاهات السائدة والمتأصلة والراسخة ،في النسيج الإجتماعي بإتجاهات جديدة تتعارض مع سابقاتها من الإتجاهات المنغرسة في النفوس، كلّما أصبحت مناعة المجتمع أضعف وأقل مقاومة للظواهر الغريبة والدخيلة والمدمّرة للحمة المجتمع أحيانا،هذا ما يخشى من ظاهرة "التشرميل".
فأمام إرتفاع حدّة الفقر لدى ما يناهز 10 ملايين مواطن مغربي، وفي ظلّ الصعوبات الإقتصادية والهشاشة الإجتماعية والإقصاء الإجتماعي، إضافة إلى الطموحات والتطلّعات والمشاكل النفسية للشباب عامّة، كلّ هذه المعطيات أفرزت شباب "التشرميل"، والتي يمثلها الشباب الأكثر هشاشة والأكثر تضررا من الوضع المجتمعي العامّ،لذلك يعتمد أسلوب إثبات الذّات وتقديرها بكل الوسائل ومن خلال استعراض القوّة والشراسة، وإستعمال السيوف والأسلحة البيضاء والمخدّرات وأصناف من الكلاب المروّضة الشرسة، لإبعاد أيّ تهديد محتمل ولبلوغ المكتسبات المادّية بشكل أيسر وأسرع.
أما لجوؤهم إلى التزيين بأغلى الساعات اليدوية ،والألبسة الرياضية باهظة الثمن وبأرقى العطور وإظهار الهواتف الذكية، والدراجات النارية، وتسريح الشعر بطرق مثيرة ولافتة للانتباه، فكل ذلك للتباهي والتميز، وللتعبير عن التسامي والإرتقاء والتنفيس اللّاشعوري ،عن أصناف الحرمان المادي والمعنوي والحكرة والقهر المجتمعي. 
لكن ليعلم من يهمهم أمن البلد، وليتأكد كل مدعّم ومشجّع لمختلف أصناف البلطجية والمشرملين وذوي السوابق وكل ناعق في أبواق الانتهازية السياسيوية، والمحترفون في الإلتفاف على مطالب الشعب والحجر عليه وإقصائه من اتخاذ القرار،  نقول لهؤلاء كفى لعبا بالنار.
فالحل في يد الدولة -أولا وأخيرا- بمختلف مؤسساتها ، التعليمية والتربوية والتنشئوية والاستباقية والتأهيلية والعقابية ، وحتى في دعمها لأنشطة جمعيات وهيئات المجتمع المدني.

 

ليست هناك تعليقات: