عالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة :
إنتبه الدكتور المهدي المنجرة مبكّرا إلى
قيمة الربط بين العلم والثقافة ، بل وانتبه إلى أن الفعل الفكري والثقافي لا يعني
ممارسة الخطابة وحسب ، بل إيلاء المعرفة العلمية القيمة التي تستحقّها في الحياة اليومية
، وفي كلّ مشروع للتنمية يرمي إلى تحويل العلم إلى ملك مشاع بين الناس ،
حتى لا يظل مجرد سلوك مختبري أو لغة خاصة
تتداولها النخبة في الجامعات والأكاديميات ، وفي معرض سؤاله حول ما يعنيه بقوله
أنّ : "التنمية هي العلم حين يصبح ثقافة" ؟ وكيف وجد هذا النوع من
التفكير طريقه إلى تأملاته وأبحاثه الفكرية والمستقبلية ؟ فكان جوابه حسب ماجاء في
سيرته الذاتية الواردة في كتاب "مسار فكر" ، لصاحبيه محمد بهجاجي وحسن
نجمي على الشكل التالي :
وردت هذه الفكرة التي هي ( التنمية هي العلم حين
يصببح ثقافة )، من طرف "روني ماهو"
الذي كان يشغل حينها منصب المدير العام لمنظمة اليونيسكو ، في محاضرة ألقـاها بمعهـد
الدراسـات الإقتصـادية ببـاريس في بـداية الستـينـات ، وقد شكّـلت هذه الفكـرة في
الواقـع جوهـر كتـابـاتـي وتحليـلاتـي فيـما بعد ، لأن التنمية بـدون تـأطيـر ثقـافـي
لا تعـثبر تـنمية ، والعلـم إذا ظـلّ صرفـا دون أن يشكّـل جـزءا مـن الفعـل الثقـافي
يصبـح آليـا ، ومن تـمّ فـإنّ كـلّ مسـار تـنمـوي رهـين بمـدى إدمـاج العلـم في
الثقـافـة ، الّتـي هي المحـدّد الأساسي لقيـم وهـويـات الأفـراد والجمـاعـات ، فهنـاك
أشيـاء كثيـرة قابلـة للإستعـارة مـن الآخـرين إلّا المكـوّن الثقـافي ، فهو وحـده
الّـذي يميّـز هـذا الفـرد أو هذه الحضـارة عـن الآخـرين ، وحـول هـذه النقطـة بالـذات
تقـوم ـ حـاليـا ـ الحـرب الحضـارية الّـتي تميّـز مرحـلة ما بعـد الإستعـماـر،
والّـتي تستهـدف بالأسـاس السيطـرة علـى العــالـم .
لقـد قـرأت في عـدد من أعـداد (لوموند
ديبلوماتيك) مقـالا لكـاتـب مـن الأورغـواي ، ينبّـه إلـى طبيعـة الإحتكـار السـائـد
للإعـلام والصـور والمعـلومـات ، في خطّـة كبـرى لإمتـلاك الـدول وإخضـاعـهـا للـسيـطــرة
.
ومـا يقـوم بـه المغـرب من مجهـود كبيـر ، لإقـرار
القـيم اليهـودية والمسيحـية هـو خطّــة مـدروسـة بشكـل متقـن ، لكـنّ الشـئ الجـديـد
هـو أنّ المقـاومـة في مرحـلة الإستعمـار ، كانـت تتجـلّى فـي كلّ الفعّـاليـات
الإنسـانيـة بما فيـها النشـاط الريـاضـي أو المـوسيقـي ، أمّـا اليـوم فقـد صـرنـا
نـلاحـظ وجـود تعـاون مـن لـدن عنـاصـر ، يشغلـون منـاصـب كبـرى في دول العـالـم
الثـالـث وهـو مـا ينبغـي الإنتبــاه إلـيـه .
إنّ التـركيـز علـى أن تكـون "التنمية
هي العلـم حين يصبح ثقافة"، يعنـي أيضـا مبـدأ التعـدّد الحضـاري الـذي أدافـع
عنه بـاستمـرار ، وهو ما يعنـي مصلحـة الحضـارة الإنسـانيـة جمعــاء .
وللأسـف الشـديـد فـإنّ السيـاسييـن في العـالـم
الثـالـث ، لم يولّـوا بعـد الأهمّـية الكـافيـة للمـرجـع الثقـافـي والحضـاري ،
ولم يستحضـروه في مشـاريـع وبـرامـج بلـدانـهم ، الأمـر الـذي يجعـل هـذا العـالـم
الثـالـ أمـام مشـاكـل تنمـويـة حقـيـقـيــة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق